Wednesday, February 27, 2013

من شريفات إلي عاهرات


احياناً يكون الامل هو درب من الغباء، هكذا احسست بعد حوار مع احد السيدات في المترو.
انا في رحلة عمل خارج مصر، و كالعاده كل يوم اخذ المترو إلي مقر الشركة و ايضاً كعادتي اقراء من علي تليفوني احد الكتب اثناء الطريق فمده الرحلة تتجاوز 45 دقيقة بقليل.
بالامس كنت اقراء احد الكتب بالغة العربية، احسست ان من بجواري ينظر في شاشتي بعمق، فرمقتة بنظره و وجدت انها سيدة من جنوب شرق اسيا في بداية الثلاثينات.
نظرت لي السيدة عندما رأت نظرتي لها و سئلتني:

هي: ما هذه اللغه هل هي عربية ام فارسية
انا: عربية

هي: هل تتكلم العربية
انا: نعم انا مصري

هي: و لكنك لا تشبه المصريين لقد ظننتك انجليزيا
انا: لا انا مصري. و انت؟

هي: انا من ماليزيا

انا: و ما جاء بك هنا
هي: للعمل فلا يوجد عمل في ماليزيا و الحياه هناك في منتهي الصعوبة

انا: غريبة ما اعرفة ان ماليزيا متطورة و عندكم الكثير من المصانع
هي: نعم و لكن العمل لا يكفي الجميع و الاموال في يدي الصفوه و اكثر الشعب يشحذون او يعملون ليلاً و نهاراً لمجرد ايجاد العيش

انا: و لا يوجد طبقة وسطي
هي: فقط في المدن و الشركات الكبيرة و لكن بمجرد ان ابتعدت عن المدينة تظهر لك الحقيقة و الفقر.

و هنا جأت فرصتي و قررت الدخول في مناقشة من نوع خاص، فابتسمت مستهزئا بكلامها

هي: لم هذه الابتسامة
انا: لان في مصر قاموا بثورة لانهم يقولون اننا في مثل حالكم و يتمنون ان يكونوا مثلكم
هي: ثوره، اعرف هذا و لكني عملت في احد الفنادق المصرية لمدة سنه و عشت بها انكم في الجنة بالنسبة لنا

انا: و لكنهم ظنوا ان الحال سيتحسن
هي: تتكلم عن ذلك صديقتي فهي من اوكرانيا و قد كان عندهم ثورة مثلكم.

نظرت بجوارها و جدت سيده في مثل عمرها شاهقة البياض طويلة جميلة إلي حد كبير.

انا: انت من اوكرانيا
الاوكرانية: نعم

انا: و ماذا تعملون هنا
الماليزية: نعمل في مجال التدليك

انا: و هل كنتم محترفات في هذا المجال قبل مجيئكم هنا
الاوكرانية: لا لقد علمونا هنا حتي يمكننا العمل
الماليزية - و هي تنظر في الارض-: و علمونا اشياء اخري كثيرة

انا: اعرف ان من يعملون بالتدليك هنا هم احيانا يعملون في اعمال منافية للاداب و لا اقصد كلهم لكن بعضهم
الماليزية: معظمهم إن لم يكن كلهم

انا -و انا اتصنع الدهشة-: كلهم؟

الاوكرانية: هل قامت عندكم ثورة
انا: نعم

الاوكرانية: إذن انتظر من نسائكم ان تعمل مثلنا

انا –بغضب-: لماذا تقولين هذا؟
الاوكرانية: و هل كنت تظن انني كنت اتخيل ان اعمل مثل ذلك

انا: فماذا حدث؟
الاوكرانية:  بعد الثورة حكم بلادنا من لا يعرف شيئ عن حكم البلاد فانهارت البلاد بعد سنتين من حكمهم و اصبح معظم الناس بلا عمل و بدا مقاولين العاهرات القدوم للبلاد و عمل عقود عمل لنساء في الخارج علي انهم يعملون في مطاعم او فنادق او شركات صغيرة و بمجرد الذهاب تكتشف الحقيقة المره و يكون ليس امامك الا ان تعمل كما يريدون او يموت اهلك من الجوع في بلادك، و يكون الاختيار دائما العمل معهم.

انا: و هل وافقت علي ذلك
الاوكرانية:  في البداية لم اكن اعرف و قاومت كثيرا ثم رضيت بالامر الواقع كانوا سيقتلوني إذا رفضت فالمقاول يبيعنا لقوادين و نعمل عندهم لمدة سنتين في اوروبا.

انا: سنتين فقط؟
الاوكرانية:  نعم و بعد هذا يخيروك ان تعود الي وطنك او تكمل العمل معهم.

انا: و انت ماذا فعلت؟
الاوكرانية:  اخترت العودة الي وطني فأنا لست كذلك و لكني اكتشفت مدي اهمية ما ارسل من مال لاهلي حتي يمكنهم البقاء احياء، فذهبت بنفسي لمقاول العاهرات و طلبت منه العوده للعمل، فاشار الي ان اعمل كمدلكة في نادي صحي، هي نفس عملي القديم و لكن واجهة افضل و القوادين هنا ليسو بعنف القوادين باماكن اخري فوافقت علي الفور، فليس كل من مثلي تتاح له هذه الفرصة فبعضهم يضطر للعوده للعمل مع نفس القوادين و هم في منتهي العنف و الفظاظة.
و في بعض الايام الاجازه اذهب الي احد البارات و اتصيد الزبائن لنفسي، هي مربحة.

انا: كم تكسبي من العمل ايام الاجازات لنفسك؟
الاوكرانية:  حوالي 300 دولار من كل زبون فاحيانا اجد زبونان في يوم واحد فيكون مجموع ما اكسب 600 دولار في يوم واحد.

انا: و انت كنت من مؤيدي الثورة؟
الاوكرانية:  جدا و كنت انزل في المظاهرات امل في حياه افضل و املا في رفع الظلم عن الناس و الفساد المتفشي، و كنت استجيب لكافة الدعوات للتظاهر و كنت من اكثر مؤيدي الثورة.

انا: و الان؟
الاوكرانية:  اعرف اني خدعت و اتمني ان يرجع بي الزمان حتي انضم لمن نصحونا بالا نقوم بهذا العمل الجنوني، و كنا نسخر منهم و نطلق عليهم اسماء سيئه.

انا: ماذا كنت تعملي قبل ثورتكم.
الاوكرانية:  كنت محاسبة في احد المصانع الذي اغلق ابوابه بعد الثوره بسنة و نصف فوجدت نفسي في الشارع و ليس امامي الا العمل خارج البلاد، و تعرف ماذا حدث.

انا: انت حاصلة علي شهادة اذن؟
الاوكرانية:  نعم و لكن في اوروبا لم يمكنني الحصول علي تصريح العمل اما مع القوادين فكانوا يوفرون لنا المسكن و الحماية من الشرطة فكان هو الحل الوحيد صدقني.

انا: و هنا؟
الاوكرانية:  هنا اعمل بفيزا انني مدلكة فلا يوجد لي مهنة محاسبة و لا يمكنني العوده الان فما اربحه من عملي هذا هو خمسة اضعاف ما اربحه إذا عملت كمحاسبة.

انا: اراكم علي خير فالمحطة القادمة محطتي.
الاوكرانية:  مع السلامه و ارجو الا تقعوا في نفس خطئنا.
انا - و انا علي الباب- : لقد وقعنا بالفعل.

الماليزية: حظ سعيد
انا: الظاهر ان حظنا لن يكون باسعد من حظ صديقتك.

توقف القطار و نزلت و انا انظر لهم و اكاد ابكي علي ما قد يحدث للمصريين، فلم يكن عندي الوقت لاسألها كيف هو حال رجالهم و لم افكر حتي في السؤال لهول ما سمعت و لشدة صدمتي من القصة.
سرت حتي مقر الشركة و لم اتكلم و لم انظر في وجه احد و لم اقل صباح الخير لاحد و هى مسافة حوالي 5 دقائق مشي عاده ما اقابل فيها زميل او اكثر في العمل و لكنني احسست كأني هويت في جب عميق لا اقدر علي التنفس من وقع السقوط.
وصلت و القيت حقيبتي و رجعت خارج المبني لاتنفس، اشعلت سيجاره خلف الاخري و انا ارتعش.
هل صحت توقعاتي هل سينتهي بنا الحال مثل هؤلاء، القيت اخر سيجاره و لم اكملها و دخلت ادعوا الله ان يرفع مقته و غضبه عنا.
استر يا رب.

No comments: